فصل: قال ابن الجوزي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال ابن الجوزي:

{الحاقة}: القيامة.
قال الفراء: إنما قيل لها: حاقة، لأن فيها حواق الأمور.
وقال الزجاج: إنما سميت الحاقة، لأنها تحق كل إنسان بعمله من خير وشر.
قوله تعالى: {ما الحاقة} هذا استفهام، معناه التفخيم لشأنها، كما تقول: زيد، وما زيد؟ على التعظيم لشأنه.
ثم زاد في التهويل بأمرها، فقال تعالى: {وما أدراك ما الحاقة} أي: لأنك لم تعاينها، ولم تدر ما فيها من الأهوال.
ثم أخبر عن المكذِّبين بها، فقال تعالى: {كذّبتْ ثمودُ وعادٌ بالقارعة} قال ابن عباس: القارعة: اسم من أسماء يوم القيامة.
قال مقاتل: وإنما سميت بالقارعة، لأن الله تعالى يقرع أعداءه بالعذاب.
وقال ابن قتيبة: القارعة: القيامة لأنها تقرع، يقال: أصابتهم قوارع الدهر.
وقال الزجاج: لأنها تقرع بالأهوال.
وقال غيرهم: لأنها تقرع القلوب بالفزع.
فأما {الطاغية} ففيها ثلاثة أقوال.
أحدها: أنها طغيانهم وكفرهم، قاله ابن عباس، ومجاهد، ومقاتل، وأبو عبيدة، وابن قتيبة، قال الزجاج: ومعنى الطاغية عند أهل اللغة: طغيانهم و(فاعلة) قد يأتي بمعنى المصادر، نحو عاقبة، وعافية.
والثاني: بالصيحة الطاغية، قاله قتادة.
وذلك أنها جاوزت مقدار الصياح فأهلكتهم.
والثالث: أن الطاغية: عاقر الناقة، قاله ابن زيد.
والريح الصرصر قد فسرناها في [حم السجدة: 16] والعاتية: التي جاوزت المقدار.
وجاء في التفسير أنها عتتْ على خُزّانها يومئذ، فلم يكن لهم عليها سبيل.
قوله تعالى: {سخّرها عليهم} أرسلها وسلّطها.
والتسخير: استعمال الشيء بالاقتدار.
وفي قوله تعالى: {حسوما} ثلاثة أقوال.
أحدها: تباعا، قاله ابن عباس.
قال الفراء: الحسوم: التِّباع، يقال في الشيء إذا تتابع، فلم ينقطع أوله عن آخره: حسوم.
وإِنما أُخِذ والله أعلم من حسْمِ الدّاءِ: إذا كُوي صاحبُه، لأنه يحمى ثم يكوى، ثم يتابع الكي عليه.
والثاني: كاملة، قاله الضحاك.
فيكون المعنى: أنها حسمت الليالي والأيام فاستوفتها على الكمال، لأنها ظهرت مع طلوع الشمس، وذهبت مع غروبها.
قال مقاتل: هاجت الريح غُدْوة، وسكنت بالعشِيِّ في اليوم الثامن، وقبضت أرواحهم في ذلك اليوم، ثم بعث الله طيرا أسود فالتقطهم حتى ألقاهم في البحر.
والثالث: أنها حسمتهم، فلم تبق منهم أحدا، أي: أذهبتهم وأفنتهم، هذا قول ابن زيد.
قوله تعالى: {فترى القوم فيها} أي: في تلك الليالي والأيام {صرعى} وهو جمع صريع، لأنهم صرعوا بموتهم {كأنهم أعجاز نخل} أي: أصول نخل {خاوية} أي: بالية.
وقد بيّنّا هذا في سورة [القمر: 20].
قوله تعالى: {فهل ترى لهم من باقية} فيه ثلاثة أقوال.
أحدها: من بقاءٍ، قاله الفراء.
والثاني: من بقية، قاله أبو عبيدة.
قال: وهو مصدر كالطاغية.
والثالث: هل ترى لهم من أثر؟ قاله ابن قتيبة {وجاء فرعون ومن قبله} قرأ أبو عمرو، ويعقوب، والكسائي، وأبان: بكسر القاف، وفتح الباء.
والباقون: بفتح القاف، وإسكان الباء.
فمن كسر القاف أراد: من يليه ويحفّ به من جنوده وأتباعه.
ومن فتحها أراد: من كان قبله من الأمم الكافرة.
وفي {المؤتفكات} ثلاثة أقوال.
أحدها: قرى قوم لوط.
والمعنى: وأهل المؤتفكات، قاله الأكثرون.
والثاني: أنهم الذين ائتفكوا بذنوبهم، أي: هلكوا بالذنوب التي معظمها الإفك.
وهو الكذب، قاله الزجاج.
والثالث: أنه قارون وقومه، حكاه الماوردي.
قوله تعالى: {بالخاطئة} قال ابن قتيبة: أي: بالذنوب، وقال الزجاج: الخاطئة: الخطأ العظيم {فعصوْا رسول ربهم} أي: كذّبوا رسلهم {فأخذهم أخذة رابية} أي: زائدة على الأحداث {إنا لما طغى الماء} أي: تجاوز حدّه حتى علا على كل شيء في زمن نوح {حملناكم} يعني: حملنا آباءكم وأنتم في أصلابهم {في الجارية} وهي: السفينة التي تجري في الماء {لنجعلها} أي: لنجعل تلك الفعْلة التي فعلنا من إغراق قوم نوح، ونجاة من حملنا معه {تذكرة} أي: عبرة، وموعظة {وتعيها أذن واعية} أي: أُذُنٌ تحفظُ ما سمعتْ، وتعمل به.
وقال الفراء: لتحفظها كل أُذُن، فتكون عظة لمن يأتي بعده.
قوله تعالى: {فإذا نفخ في الصور نفخةٌ واحدةٌ} وفيها قولان.
أحدهما: أنها النفخة الأولى، قاله عطاء.
والثاني: الأخيرة، قاله ابن السائب، ومقاتل.
{وحُمِلت الأرضُ والجبالُ} أي: حملت الأرض والجبال وما فيها {فدُكّتا دكة واحدة} أي: كسرتا، ودقّتا دقّة واحدة، لا يثنى عليها حتى تستوي بما عليها من شيءٍ، فتصير كالأديم الممدود.
وقد أشرنا إلى هذا المعنى في (الأعراف) عند قوله تعالى: {جعله دكا} [آية: 143].
قال الفراء: وإنما قال: فدكتا، ولم يقُل فدُكِكْن، لأنه جعل الجبال كالشيء الواحد، كقوله تعالى: {أن السموات والأرض كانتا رتقا} [الأنبياء: 30]، وأنشدوا:
هُما سيِّدانا يزْعُمانِ وإنّما ** يسُودانِنا أنْ يسّرتْ غنماهُما

والعرب تقول: قد يسرت الغنم: إذا ولدت، أو تهيأت للولادة.
قوله تعالى: {فيومئذ وقعت الواقعة} أي: قامت القيامة {وانشقت السماء} لنزول من فيها من الملائكة {فهي يومئذ واهية} فيه قولان.
أحدهما: أن وهْيها: ضعْفُها وتمزُّقْها من الخوف، قاله مقاتل.
والثاني: أنه تشققها، قاله الفراء {والملك} يعني: الملائكة، فهو اسم جنس {على أرجائها} أي: على جوانبها.
قال الزجاج: ورجاء كل شيء: ناحيته، مقصور.
والتثنية: رجوان، والجمع: أرجاء.
وأكثر المفسرين على أن المشار إليها السماء.
قال الضحاك: إذ انشقت السماء كانت الملائكة على حافتها حتى يأمرهم الله تعالى، فينزلون إلى الأرض، فيحيطون بها، ومن عليها.
وروي عن سعيد بن جبير أنه قال: على أرجاء الدنيا.
قوله تعالى: {ويحمل عرش ربك فوقهم} فيه ثلاثة أقوال.
أحدها: فوق رؤوسهم، أي: العرش على رؤوس الحملة، قاله مقاتل.
والثاني: فوق الذين على أرجائها، أي: أن حملة العرش فوق الملائكة الذين هم على أرجائها.
والثالث: أنهم فوق أهل القيامة، حكاهما الماوردي {يومئذ} أي: يوم القيامة {ثمانية} فيه ثلاثة أقوال.
أحدها: ثمانية أملاك.
وجاء في الحديث أنهم اليوم أربعة، فإذا كان يوم القيامة أمدهم الله بأربعة أملاك آخرين، هذا قول الجمهور.
والثاني: ثمانية صفوف من الملائكة لا يعلم عدتهم إلا الله عز وجل، قاله ابن عباس، وابن جبير، وعكرمة.
والثالث: ثمانية أجزاء من الكروبيين لا يعلم عددهم إِلا الله، قاله مقاتل.
وقد روى أبو داود في (سننه) من حديث جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «أُذِن لي أن أُحدِّث عن ملك من ملائكة الله من حملة العرش، أن ما بين شحمة أُذُنه إلى عاتقه مسيرة سبعمائة عام».
قوله تعالى: {يومئذ تُعْرضُون} على الله لحسابكم {لا تخفى} عليه.
قرأ حمزة، والكسائي: {لا يخفى} بالياء.
وقرأ الباقون بالتاء.
والمعنى: لا يخفى عليه {منكم خافية} أي: نفس خافية، أو فعْلة خافية.
وفي حديث أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «يعرض الناس يوم القيامة ثلاث عرضات، فأما عرضتان فجدال، ومعاذير، وأما الثالثة، فعندها تتطاير الصحف في الأيدي، فآخذ بيمينه، وآخذ بشماله»، وكان عمر بن الخطاب يقول: حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوها قبل أن توزنوا، وتزيّنوا للعرض الأكبر، يومئذ لا تخفى منكم خافية.
{فيقول هاؤم} قال الزجاج: {هاؤم} أمر من الجماعة.
بمنزلة هاكم.
تقول للواحد: ها يا رجل، وللاثنين: هاؤما يا رجلان.
وللثلاثة: هاؤم يا رجال.
قال المفسرون: إنما يقول هذا ثقة بسلامته وسرورا بنجاته.
وذكر مقاتل أنها نزلت في أبي سلمة بن عبد الأسد.
قوله تعالى: {إني ظننت} أي: علمت وأيقنت في الدنيا {أني ملاقٍ حسابِيهْ} أي: أبعث، وأحاسب في الآخرة {فهو في عيشة} أي: حالة من العيش {راضية} قال الفراء: أي: فيها الرضى.
وقال الزجاج: أي: ذات رضى يرضاها من يعيش فيها.
وقال أبو عبيدة: مجازها مجاز مرضية {في جنّةٍ عاليةٍ} أي: عالية المنازل {قطوفها} أي: ثمارها {دانيةٌ} أي: قريبة ممن يتناولها، وهي جمع قطف.
والقطف: ما يقطف من الثمار.
قال البراء بن عازب: يتناول الثمرة وهو نائم.
قوله تعالى: {كلوا} أي: يقال لهم: كلوا {واشربوا هنيئا بما أسلفتم} أي: قدّمتم من الأعمال الصالحة {في الأيام الخالية} الماضية، وهي أيام الدنيا.
{وأما من أوتي كتابه بشماله} قال مقاتل: نزلت في الأسود بن عبد الأسود، قتله حمزة ببدر، وهو أخو أبي سلمة.
وقيل: نزلت في أبي جهل، قوله تعالى: {يا ليتني لم أوت كتابيه} وذلك لما يرى فيه من القبائج {ولم أدر ما حسابيه} لأنه لا حاصل له في ذلك الحساب، إنما كلُّه عليه.
وكان ابن مسعود.
وقتادة، ويعقوب، يحذفون الهاء من {كتابيه}، و{حسابيه} في الوصل.
قال الزجاج: والوجه أن يوقف على هذه الهاآت، ولا توصل، لأنها أدخلت للوقف.
وقد حذفها قوم في الوصل، ولا أُحبُّ مخالفة المصحف، وكذلك قوله تعالى: {وما أدراك ماهيه} [القارعة: 10].
قوله تعالى: {يا ليتها} يعني: الموتة التي ماتها في الدنيا {كانت القاضية} أي القاطعة للحياة، فكأنه تمنّى دوام الموت، وأنه لم يُبْعثْ للحساب {هلك عني سلطانيه} فيه قولان.
أحدهما: ضلّت عني حجتي، قاله مجاهد، وعكرمة، والضحاك، والسدي.
والثاني: زال عني ملكي، قاله ابن زيد.
قوله تعالى: {خذوه} أي: يقول الله تعالى: {خذوه فغلُّوه} أي: اجمعوا يده إلى عنقه {ثم الجحيم صلُّوه} أي: أدخلوه النار.
وقال الزجاج: اجعلوه يصْلى النّار {ثم في سِلْسِلةٍ} وهي: حلقٌ منتظمة {ذرْعُها سبعون ذراعا} قال ابن عباس: بذراع الملك.
وقال نوفٌ الشامي: كل ذراع سبعون باعا.
الباع أبعد مما بينك وبين مكة، وكان في رحبة الكوفة.
وقال سفيان: كل ذراع سبعون ذراعا.
وقال مقاتل: ذرعها سبعون ذراعا بالذراع الأول.
ويقال: إن جميع أهل النار في تلك السلسلة.
قوله تعالى: {فاسلكوه} أي: أدخلوه.
قال الفراء: وذكر أنها تدخل في دبر الكافر فتخرج من رأسه، فذلك سلكه فيها.
والمعنى: ثم اسكلوا فيه السلسلة، ولكن العرب تقول: أدخلت رأسي في القلنسوة، وأدخلتها في رأسي.
ويقال: الخاتم لا يدخل في يدي، وإنما اليد تدخل في الخاتم، وإنما استجازوا ذلك، لأن معناه معروف.
قوله تعالى: {إنه كان لا يؤمن بالله العظيم} أي: لا يصدِّق بوحدانيته وعظمته {ولا يحُضُّ على طعام المسكين} أي: لا يطعمه، ولا يأمر بإطعامه {فليس له اليوم هاهنا حميم} أي: قريب ينفعه، أي: يشفع له {ولا طعام إلا من غسلين} فيه ثلاثة أقوال.
أحدها: أنه صديد أهل النار، قاله ابن عباس.
قال مقاتل: إِذا سال القيح، والدم، بادروا أكله قبل أن تأكله النار.
والثاني: شجر يأكله أهل النار، قاله الضحاك، والربيع:
والثالث: أنه غُسالةُ أجوافهم، قاله يحيى بن سلام.
قال ابن قتيبة: وهو (فِعْلِين) من (غسلت) كأنه غسالة.
قوله تعالى: {إلا الخاطئون} يعني: الكافرين.
قوله تعالى: {فلا أقسم} {لا} ردٌّ لكلام المشركين، كأنه قيل: ليس الأمر كما يقول المشركون {أقسم بما تبصرون وما لا تبصرون} وقال قوم: {لا} زائدة مؤكدة.
والمعنى: أقسم بما ترون، وما لا ترون، فأراد جميع الموجودات.
وقيل: الأجسام والأرواح {إنه} يعني: القرآن {لقول رسولٍ كريمٍ} فيه قولان.
أحدهما: محمد صلى الله عليه وسلم، قاله الأكثرون.
والثاني: جبريل، قاله ابن السائب، ومقاتل.
قال ابن قتيبة: لم يرد أنه قول الرسول، وإِنما أراد أنه قول الرسول عن الله تعالى، وفي الرسول ما يدل على ذلك، فاكتفى به من أن يقول عن الله {وما هو بقول شاعر قليلا ما تؤمنون} وقرأ ابن كثير {يؤمنون} و{يذكّرون} بالياء فيهما.
قال الزجاج: (ما) مؤكدة، وهي لغو في باب الإعراب.
والمعنى: قليلا تؤمنون.
وقال غيره: أراد نفي إيمانهم أصلا.
وقد بيّنّا معنى (الكاهن) في [الطور: 29] قال الزجاج: وقوله تعالى: {تنزيل} مرفوع ب (هو) مضمرة يدل عليها قوله تعالى: {وما هو بقول شاعر} هو تنزيل.
قوله تعالى: {ولو تقول علينا} أي: لو تكلّف محمد أن يقول علينا ما لم نقله {لأخذنا منه باليمين} أي: لأخذناه بالقوة والقدرة، قاله الفراء، والمبرد، والزجاج.
قال ابن قتيبة: إنما أقام اليمين مقام القوة، لأن قوة كل شيء في ميامنه.
قوله تعالى: {ثم لقطعنا منه الوتين} وهو عرق يجري في الظهر حتى يتصل بالقلب، فإذا انقطع بطلت القوى: ومات صاحبه.
قال أبو عبيدة: الوتين: نياط القلب، وأنشد الشّمّاخ:
إِذا بلّغْتِنِي وحملْتِ رحْلِي ** عرابة فاشْرقِي بِدمِ الوتينِ

وقال الزجاج: الوتين: عرق أبيض غليظ كأنه قصبة.
قوله تعالى: {فما منكم من أحد عنه حاجزين} أي: ليس منكم أحد يحجزنا عنه، وإنما قال تعالى: {حاجزين} لأن أحدا يقع على الجمع، كقوله تعالى: {لا نُفرِّق بين أحد من رسله} [البقرة: 285]، هذا قول الفراء، وأبي عبيدة، والزجاج.
ومعنى الكلام: أنه لا يتكلّف الكذب لأجلكم مع علمه أنه لو تكلّف ذلك لعاقبناه، ثم لم يقدر على دفع عقوبتنا عنه {وإنه} يعني: القرآن {لحسرة على الكافرين} في يوم القيامة.
يندمون إذ لم يؤمنوا به {وإِنه لحق اليقين} إضافة إلى نفسه لاختلاف اللفظين، كقوله تعالى: {ولدار الآخرة} [يوسف: 109].
وقال الزجاج: المعنى: وإنه لليقين حق اليقين، وقد شرحنا هذا المعنى، وما بعده في [الواقعة: 95، 96]. اهـ.